المحامية سحر سمير محسن: نموذج للمرأة اللبنانية الطموحة في ميادين القانون والسياسة

المحامية سحر سمير محسن: نموذج للمرأة اللبنانية الطموحة في ميادين القانون والسياسة
تمارس الدكتورة سحر محسن مهنتها كمحامية بالاستئناف ضمن نقابة المحامين في بيروت، مع تركيز خاص على الدعاوى الجزائية التي تتميز بتعقيدها وحساسيتها. لم تكتفِ محسن بمزاولة المهنة فقط، بل سعت دومًا إلى تطوير نفسها أكاديميًا، فنالت درجة الدكتوراه في القانون الدولي الجنائي، وتستعد حاليًا لمناقشة أطروحة دكتوراه ثانية في العلوم السياسية، تتمحور حول دور المرأة في الحياة السياسية.
وعلى الصعيد الأكاديمي، تتابع الدكتورة محسن دراستها في مجالات التحكيم وقانون النفط والغاز في الجامعة الأميركية اللبنانية في بيروت، مما يدل على سعيها المتواصل لتوسيع آفاقها المعرفية والتخصصية.
تُعرف الدكتورة محسن أيضًا بإسهاماتها البحثية، إذ تنشر مقالات ودراسات في عدد من المجلات القانونية والوطنية والعربية، وكان آخرها مقالتين مميزتين في مجلة تحكيمية قانونية دولية تناولتا دور المرأة في المجتمع السياسي واهمية مشاركتها ، في طرح علمي جريء ومعمّق.
ومن بين المحطات المشرّفة في مسيرتها، مشاركتها مؤخرًا كممثلة وحيدة عن لبنان في مؤتمر جامعة عجمان الدولي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي خُصص لموضوع تجريم خطاب الكراهية. وقد افتتحت كلمتها في المؤتمر بتأكيد أن “الجوانب القانونية لمكافحة الكراهية وإرساء مبادئ التسامح والسلام ليست مجرد قضية قانونية، بل هي من المسائل الحيوية التي تمس إنسانيتنا المشتركة، في زمن تتزايد فيه التحديات والانقسامات، حيث يصبح من الضروري أن يُعلى صوت الحوار، وأن نمدّ الجسور بدل أن نبني الجدران”. وأضافت: “إنه ليس مجرد مؤتمر أكاديمي، بل هو فعل مقاومة نبيل في وجه كل مظاهر الحقد والتطرّف”.
كما أوضحت أن مشاركتها من بيروت جاءت مدفوعة بجملة من الدوافع، في مقدمتها واقع الانقسام الطائفي الحاد في لبنان، حيث “تنظر كل طائفة بعين الشك والريبة إلى بواعث ودوافع السلوك الاجتماعي والسياسي للطوائف الأخرى”، مضيفة أن “لبنان أشبه بالجمر الكامن تحت الرماد، حيث إن خطاب الكراهية بين مكونات المجتمع اللبناني ليس ظاهرًا بدرجة عالية، بقدر ما هو ورقة بيد الأحزاب السياسية التي تُجيّش أتباعها طائفيًا في بعض الحالات والمواضيع الحساسة التي تؤثر في مصير البلد”.
وقدّمت الدكتورة محسن خلال المؤتمر بحثًا مهمًا بعنوان “تجريم الكراهية في القانون اللبناني بين متطلبات التعايش السلمي وضوابط حرية التعبير عن الرأي”، تناولت فيه مدى إمكانية تطبيق القواعد القانونية الخاصة بتجريم الكراهية في لبنان بطريقة تحافظ على السلم المجتمعي من جهة، وتصون حرية التعبير من جهة أخرى. وشددت على أن “هناك خيطًا رفيعًا جدًا يفصل بين حرية التعبير وخطاب الكراهية”.
وأكدت أن قانون العقوبات اللبناني لم ينص صراحة على جريمة الكراهية، لكنه جرم العديد من الأفعال التي تحمل في طياتها عناصر هذا الخطاب، مثل جرائم التحقير والقدح والذم وازدراء الأديان أو الشعائر الدينية. كما بيّنت أن الدستور اللبناني ينبذ خطاب الكراهية في عدة مواد مع التأكيد على احترام الرأي الآخر، بينما ألزم قانون الإعلام المرئي والمسموع وسائل الإعلام باحترام القيم الوطنية والعيش المشترك والامتناع عن بث أي مضمون يحرّض على الانقسام والتفرقة.
وأشارت إلى أن لبنان منضوٍ في معظم الاتفاقيات الدولية التي تحظر خطاب الكراهية، وعلى رأسها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965.
وفي ختام بحثها، طرحت سؤالًا محوريًا: “متى تكون الكلمة رأيًا مشروعًا، ومتى تتحول إلى جريمة كراهية؟”، لتجيب من خلال دراستها أن التمييز بينهما يتطلب دقة قانونية ومقاربة متوازنة تراعي الخصوصية المجتمعية وتحترم الحريات دون أن تخلّ بالسلم الأهلي.
واختتمت كلمتها بتأكيد أن جميع الأديان السماوية رفضت الكراهية، ودعت إلى الرحمة والتسامح، وحمّلت الإنسان مسؤولية التعامل مع الآخر على أساس من الكرامة الإنسانية والعدالة، لا على أساس الحقد والتطرف، قائلة: “الكراهية تبقى نارًا تحرق صاحبها قبل أن تطال غيره”، مستشهدة بكلمات مارتن لوثر كينغ جونيور الشهيرة: “لا يمكن طرد الكراهية بالكراهية، وحده الحب قادر على ذلك.”
تجسّد الدكتورة سحر سمير محسن صورة المرأة اللبنانية التي تخطّت التحديات، وفرضت حضورها في ميادين شائكة، مزوّدة بالعلم والعزيمة والرؤية المسؤولة.